استفسار: ما الذي أتى بسمكِ السلّور إلى وادي حنيفة؟
يكرّرُ نظام التحكّم في قبو "السفينة" هذا السؤال... كلَّ يوم! لكن، هل نعلم حقًّا ما نحن؟ وكيف نعرف من أين أتينا؟ قبل أن تصدر أحكامك، ضع نفسك في مكاننا، رغم أن الأمر صعبٌ جدًّا: هواؤُنا هو الماء، أمّا ماؤُك فهو الهواء! سنعلم ما نكون: العلمُ فرضيَّةٌ تُبحَث. وسنعرف من أين أتينا: الخيالُ بَحثٌ عن الفرضيَّة.
فرضية: من أشكالٍ هندسيَّة تلقائيِّة الاتزان!
نعيشُ كأسماك في بيئة غير ساكنة، في حالة تشكُّلٍ مستمرة، تشبه تدفّق الأنهار من حولنا، وتبدّل التضاريس عبر الزمن. لكن حين تتفاعل إيكولوجيتنا مع الرياضيات، وتلتقي حركتنا بالهندسة، تصبح أجسادنا مثل الأجسام الهندسية التي متى وجدت نفسها على سطح أفقي، تعود دوماً إلى توازنها تلقائيًّا، كأنّها في رحلةٍ بحث دؤوبة عن نقطة استقرار، رحلة تقودها فيها هندسةٌ خفيّة.
فرضية: من طيورٍ هاجرت إلى أوديةٍ قاحلة!
نتكاثرُ بطريقةٍ استثنائيِّة، نظهرُ في أودية قاحلة، حيث يُعثر على بيضنا الذي تجلبه طيورٌ مهاجرة. من ظروفنا الفريدة تَنبعُ قدرتنا على التكيّف، فنحن نرقد في سباتٍ خلالَ مواسم الجفاف، ننتظرُ المطر الذي يوقظنا كي نصاحب زوّار الوادي، ونعيد ترتيب المكان وفق قواعد إيكولوجية خاصة بنا.
نحنُ كمخلوقاتٍ غازيةٍ خرجت من بيئتها إرادةً للبقاء، لا نتوقفُ عن الترحال، بل ونهتدي إلى دُروبنا بمساعدة صائد الموجات، الذي يقيس المسافات عبر التقاط جُمل الأذان الست عشرة وهي تشقّ طريقها عبر الأجسام المائية—بحارًا ومحيطاتٍ وأنهارًا—خمس مراتٍ في اليوم، من أرضٍ إلى أخرى. صائد الموجات آلةٌ تتكوّن من ستة عشر وعاءً، تلتقط ترددات الأذان، فتحوّل كل ذبذبة إلى وحدة بيانات، ثم تدمجها في موجاتٍ متّصلة، تُعالَج كمعادلات تكشف عن إحداثيّات ممرّاتٍ قديمةٍ عبر البحر، يسلكها كلُّ من بلغه النداء.
تبني الفنانة بسمة فلمبان في معرضها "مركب ما تبقى من البحر" عالمًا أسطوريًا خاصًا يستلهم الخيال العلمي، عبر فرضيّات مصوغة في لوحاتٍ ورسوماتٍ بيانية، وصورٍ فنيّةٍ مُولَّدة، وأعمالٍ ابتكاريةٍ تفاعلية. تعكِسُ الفنانة من خلال عالمها الفريد الصعوبات التي تواجهها في رحلة البحث عن إجاباتٍ لاستفساراتها حول تاريخ هجرة عائلتها من جزيرة "پالمبانغ" الإندونيسية إلى الجزيرة العربية، حيث تندر المعلومات والوثائق التاريخية عن هذه الجزيرة نتيجة ماضيها الاستعماري المضطرب، إذ تركت السيطرة الهولندية، الممتدة من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، بصمتها على بنية "پالمبانغ" التحتية وتقاليدها الثقافية والتجارية؛ بينما قام الاحتلال الياباني، وإن لم يَدُم طويلًا خلال الحرب العالمية الثانية، بإعادة تشكيل ملامحها الجغرافية.
يُمثِّل سمك السلّور في أعمال الفنانّة رمزًا لحركةِ التصدير من إندونيسيا إلى السعوديّة، والتي شكّلت قفزةً نوعيةً في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فعلى سبيل المثال، اعتمدت الحكومة الإندونيسية، بالتشاور مع الحكومة السعودية، سمك السلّور كطبقٍ رسميٍّ للحجّاج الإندونيسيين في تسعينيات القرن الماضي، في محاولةٍ لتغيير الصورة النمطية التي تصوّره كسمكٍ يتغذّى على فضلات المحيط وغير صالحٍ للأكل، إضافةً إلى دعم مشاريع استزراعه وتصديره.